السؤال:
ما أهمية التربية الإيمانية؟
الجواب:
تبدو أهمية التربية الإيمانية وضرورة الاعتناء بها من خلال أمور عدة، من أهمها ما يلي: الأول: الإيمان هو أفضل الأعمال: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» قيل: ثم ماذا؟ قال: «حج مبرور»(1).
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: «إيمان بالله وجهاد في سبيله» قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: «أعلاها ثمنًا وأنفسها عند أهلها»(2).
وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال(3).
الثاني: الإيمان مناط النجاة يوم القيامة: عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم»(4).
الثالث: تفاوت الناس يوم القيامة على أساس الإيمان: وهذا التفاوت له ميادين منها: أ- تفاضل أهل الجنة فيما بينهم؛ فعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: «بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين»(5).
ب- تفاوت العصاة من الموحدين في النار: فعن معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك- رضي الله عنه- وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه، فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم...» الحديث، وفيه: «فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخرُّ له ساجدًا، فيقال يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجه، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدًا، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل»(6).
وفي حديث الشفاعة الطويل: «... فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبيَّن لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم، يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا...»(7).
الرابع: الإيمان هو الأساس والأصل في التربية الإسلامية، وسائر الأمور إنما هي فروع وثمرات لهذا الأصل العظيم.
فالسلوك والعلم الشرعي والجهاد والدعوة والكف عن الحرمات إنما هو ثمرة ونتيجة من نتائج تحقق الإيمان.
وحين نعنى بتربية الإيمان في النفوس، ويأخذ الجانب الإيماني نصيبه وحظه نختصر خطوات عدة، ونوفر الجهد في ميدان ومجال واحد.
الخامس: الإيمان هو الزاد للمرء في مواجهة الشهوات التي عصفت بشباب المسلمين اليوم، وهي مسئولة عن حالات كثيرة من الإخفاق والتراجع.
السادس: قوة الإيمان هي العلاج الأنجع لكثير من المشكلات التي يشتكي منها الشباب اليوم (قسوة القلب، ضعف العناية بالعبادات، الفتور...) والاعتناء بتقوية الإيمان والتقوى في النفوس خير من التداعي لعلاج هذه الأمراض بعد وقوعها.
السابع: قوة الإيمان هي أهم ما يعين المرء على الثبات على دين الله، خاصة ونحن اليوم نعاني من كثير من حالات التقهقر والتراجع؛ لذا فحين سأل هرقل أبا سفيان- رضي الله عنه- عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب»(8).
الثامن: قوة الإيمان هي أعظم حاجز بين المرء وبين مواقعة الحرام والمعاصي، قال- تعالى- عن الشيطان: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99].
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن»(9)، فالذي يحول بينه وبين الوقوع في هذه المعاصي وغيرها هو الإيمان.
وحتى حين يواقعها العبد فالمؤمن هو أقدر الناس على الإقلاع والتوبة {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
هذه الأمور وغيرها تؤكد على المربين ضرورة إعادة النظر في مدى الاعتناء بالجانب الإيماني في تربيتهم، وأين موقعه ضمن أولوياتهم؟ والنظر السريع اليوم في واقع جيل الصحوة يدعونا إلى إعطاء الجانب الإيماني مزيدًا من الرعاية والعناية.
---------------
(1) رواه البخاري (26) ومسلم (83).
(2) رواه البخاري (2518) ومسلم (84).
(3) رواه مسلم (1885).
(4) رواه مسلم (54).
(5) رواه مسلم (2831) وأصله في البخاري دون موضع الشاهد.
(6) رواه البخاري (7510).
(7) رواه البخاري (7440) ومسلم (182).
(8) رواه البخاري (71) ومسلم (1773).
(9) رواه البخاري (2475) ومسلم (57).
الكاتب: محمد الدويش.
المصدر: موقع المسلم.